«إلهي هو يهوه»، هذا معنى اسم «إيليَّا Eliyahu – Eli Yahu» الَّذي يجمع في حروفه اللغة الكنعانيَّة والآراميَّة والعبريَّة، أي «إيلEL » إلهًا رئيسيًّا في البانثيون panthéon الأوغاريتيِّ، وغالبًا ما يُطلق عليه لقب «الخالق» أو «الأب»، وكان يُعتبر والد الآلهة وإلهًا حكيمًا وعتيقًا. و «يهوهYHWH » هو الاسم العبريُّ الَّذي يأتي من الفعل «hayah» ويعني «أكون». هكذا عرَّف الله عن نفسه لموسى (خروج 3: 14-15). وفعلا الكينونة والحياة متلازمان، وليس غريبًا أن نجد تقاربًا لفظيًّا ودلالة بين «يهوهYHWH » العبريِّ و«الحياة» في اللغة العربيَّة. فكلاهما من عائلة اللغات الأفروآسيويَّة Les langues afroasiatiques.
خلف هذه المفردات هناك شيء أعمق بكثير وهو اسم «يسوع Yehoshua» الَّذي يتكوَّن من جزأين: «Yeho» مختصر لـ «يهوه YHWH» و «shua» من الجذر العبريِّ الَّذي يعني «خلَّص» أو «أنقذ». فيكون اسم «يسوع» الكائن الَّذي خلَّص، وفعل خلاصه مستمرٌّ لأنَّه المخلِّص. هذا تمامًا ما أكَّده الملاك جبرائيل ليوسف خطيب مريم: «فستلِدُ ابنًا وتدعو اسمه يسوع. لأنَّه يخلِّص شعبه من خطاياهم» (متَّى 1: 21). كذلك الربُّ يسوع المسيح قال لليهود: «الحقَّ الحقَّ أقول لكم: قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن» (يوحنَّا 8: 58). فما كان منهم أن رفعوا حجارة ليرجموه. ترجمة «أنا كائن» إلى اللغة اليونانيَّة هي ما نراه مكتوبًا في الهالة حول رأس يسوع في الأيقونات « ὁ ὤν - OWN» أي الكائن. من هنا نفهم قول الربِّ عن نفسه: «أنا هو الطريق والحقُّ والحياة» (يوحنَّا 14: 6)، هو الكائن المعطي الحياة الأبدية.
بالعودة إلى إيليَّا النبيِّ فكان يقول: «حيٌّ هو الربُّ الَّذي أنا واقف أمامه» (2 ملوك 5: 16)، وكان قلبه مشتعلًا بمحبَّة الربِّ وعنده غيرة إلهيَّة كبيرة على بيت الربِّ، ومن ألقابه «الغيّور» كما قال الكتاب المقدَّس: «قد غِرتُ غيرةً للربِّ إله الجنود، لأنَّ بني إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيتُ أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها» (1 ملوك 19: 10).
شخصيَّة إيليَّا النبيِّ جعلت اسمه يستمرُّ عبر الأجيال دون توقُّف. كان رجل صلاة بامتياز وحكمة، وأنعم الربُّ عليه اجتراح العجائب، من نزول نار من السماء أحرقت الذبيحة وإظهار بطلان الآلهة الوثنيَّة أمام عظمة الربِّ القدُّوس، واحتباس المطر، ووفرة الطحين والزيت لأرملة صرفة رغم الجفاف والمجاعة، وإقامة ابن الأرملة من الموت بعد أن سمع الربُّ صلاته واستجاب له، وصعوده في مركبة ناريَّة كما إلى السماء، أي من كان مع الربِّ يرقد ولا يبلغه الموت، لأنَّ الموت الحقيقيَّ هو الموت الروحيُّ والانفصال عن الربِّ. فهو حي لأنه آمن بالرب.
الفنُّ الإيقونغرافيُّ يظهر النبيَّ إيليَّا رجلًا زاهدًا، ملامحه الخارجيَّة ملامح رجل مسنٍّ عنده هيبة كبيرة، وهو ذو شعر طويل ولحية طويلة بيضاء إشارة إلى النسك والحكمة والتقوى. هو شخص تحمَّل المشقَّات وجاهد كثيرًا. لذا تبدو ملامح وجهه قاسية تعطي قوَّة وجدِّيَّة في آن. يرتدي عادة ملابس الأنبياء المصنوعة من وبر الجِمال أو جلد الحيوانات. ينتعل صندلاً بسيطًا، إشارة إلى تقشُّفه.
هناك أيقونات له غنيَّة بمشاهد سيرة حياته وعجائبه، أشهرها الجالس في وضع تأمُّل أمام المغارة في البرِّيَّة قرب نهر كريت (كرث أو كريث) شرق الأردن، وذلك خلال فترة الجفاف التي أعلنها بنفسه بأمر من الرب، وغراب يأتيه بالطعام. ولا ننسى طبعًا صعوده في المركبة الناريَّة الَّتي يتنوَّع تصويرها مع الأحصنة والنار الَّتي تحيط به، وهو يرمي رداءه إلى تلميذه أليشع الواقف على الأرض ينظر إليه صاعدًا. وبرداء إيليَّا شقَّ أليشع نهر الأردنِّ وعبره، وهذه إشارة واضحة لشفاعة القدِّيسين. هناك أيقونات تظهره حاملًا بيده اليسرى درجًا (سفرًا) مدوَّنًا عليه «حيٌّ هو الربُّ» إشارة إلى رسالته النبويَّة، ويبارك بيده اليمنى. وفي أيقونات أخرى يحمل لفيفة. وأحيانًا نرى يديه الاثنتين مفتوحتين في حالة تضرُّع وصلاة. وكون تكلَّم معه الربُّ بالنسيم إشارة إلى رفض الربِّ البطش، لا تجوز له أيقونة يحمل فيها سيفًا.
الألوان في أيقوناته غنيَّة ومعبّرة ولها معانيها. النبيذيُّ رمز للمجد الإلهيِّ، والأحمر الفاقع إشارة إلى النار الإلهيَّة والغيرة النبويَّة. اللون الذهبيُّ يشير إلى ملكوت السموات إذا وجد في خلفيَّة الأيقونة، وإلى الاتِّحاد بالربِّ ونوره إذا وجد في ثيابه. اللون البنِّيُّ القاتم إشارة إلى الموت عن العالم والرهبنة. اللون الأزرق يرمز إلى النقاوة والبعد السماويِّ، والأخضر إلى الحياة الجديدة. أمَّا في حادثة التجلِّي فنراه واقفًا يكلِّم الربَّ يسوع المسيح كما أتى في الأناجيل، ويشير إليه وينحني له. كما نراه في بعض أيقونات نزول الربِّ إلى الجحيم (القيامة) وافقًا بين الأنبياء والقدِّيسين. وطبعًا هناك أيقونات أخرى يظهر فيها.
ظهوره في الفنِّ الكنسيِّ قديم جدًّا. كما في الجداريَّة داخل بازيليك القدِّيس لورينزو ماجوري في ميلانو، الَّتي تعود إلى حوالي سنة 370 الميلاديَّة. وتُظهر هذه الجداريَّات مشهد صعود إيليَّا إلى السماء في مركبة ناريَّة، ولكن لم يبقَ منها إلَّا أجزاء بسيطة. فسيفساء من القرن السادس الميلاديِّ في رافينا – إيطاليا في كنيسة Sant'Apollinare in Classe ، تُصوِّر مشهد التجلِّي وفيه يظهر إيليَّا على سحابة إلى جانب موسى. كذلك نشاهده واقفًا يبارك في فسيفساء مشهورة جدًّا عن التجلِّي من القرن السادس الميلاديِّ في دير القدِّيسة كاترين في سيناء.
ختامًا، سيرة النبيِّ إيليَّا تعلِّمنا الاستمرار في قول الحقِّ وأن يكون قلبنا مشتعلًا بالربِّ، وما أجمل قوله لجميع الشعب: «حتَّى متى تعرُجون بين الفرقتين؟ إنْ كان الربُّ هو الله فاتَّبِعُوه، وإن كان البعل فاتَّبِعُوه. فلم يجِبْهُ الشعب بكلمة» (1 ملوك 18: 21). قوله يصيبنا كلَّ يوم ويدعونا لنحدِّد موقفنا لأنَّ طريق الربِّ ليس فيه اعوجاج.
إلى الربِّ نطلب.